لمناسبة الذكرى العشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، زار الرئيس سعد الحريري الضريح في وسط بيروت، يرافقه عمه السيد شفيق الحريري وعمته رئيسة مؤسسة الحريري السيدة بهية الحريري وشقيقه السيد أيمن الحريري والسيدة جمانة دلول وناشرة صيحفة النهار السيدة نائلة تويني.
وبعد قراءة الفاتحة عن روح الرئيس الشهيد وأرواح رفاقه الشهداء، شق الرئيس الحريري طريقه وسط حشود كبيرة أمت المكان من كل المناطق اللبنانية وحياهم وسلم عليهم، ثم ألقى كلمة من أمام مسجد محمد الأمين، في ما يلي نصها:
منذ عشرين سنة نزلتم إلى هذه الساحة وقلتم للرئيس الشهيد رفيق الحريري: رح نشتقلك.
واليوم بعد عشرين سنة عدنا إلى هذه الساحة لنقول لرفيق الحريري: اشتقنالك!
منذ عشرين سنة في هذه الساحة طالبتم بالعدالة، وبإرادتكم طردتم نظام المجرم بشار الأسد من لبنان.
وبعد عشرين سنة، وقبلها ثلاثين من الحكم الطائفي، من المعاناة، من الظلم، والقتل والاعتقال والتعـذيب والوحشية، قام الشعب السوري البطل، وطرد المجرم من سوريا. ربما هذه هي بداية العدالة، وربما هذه نهايتها.
… في الحالتين، رأيتم كيف أنه إن لم تنصفنا عدالة الارض فعدالة رب العالمين لا يهرب منها أحد.
وهذه مناسبة لنعلن دعمنا لإرادة السوريين ولاستقرار سوريا وإعادة إعمارها وإرادتنا بأفضل العلاقات الندية من دولة لدولة باحترام كامل للسيادة والاستقلال، كما أعلنت مرارا وتكرارا القيادة السورية الجديدة.
في هذه العشرين سنة، مر بلدنا بأزمات كبيرة، أزمات كثيرة أنهكت اللبنانيين، ونحن لم ننكر يوما أن جزء من المسؤولية يقع علينا. وتحملنا مسؤوليتنا بكل شجاعة وقدمت استقالتي، وعلّقنا العمل السياسي، وأفسحنا المجال لمدة 3 سنوات وأكثر، وبقيت الأزمات وازدادت.
ستقولون أنا الوحيد؟ لا يهم أنا أقبل. غيري مسؤول عن خياراته، نحن مسؤولون عن أنفسنا أمام الناس وأمام رب العالمين.
كثرت الأزمات، وآخرها وأخطرها، حرب إسرائيلية مجنونة، مجرمة، استهدفت بلدنا وقتلت أهلنا، ودمرت بيوتهم ومؤسساتهم ومزروعاتهم ومجتمعهم. وكما أنحني أمام كل الشهداء من أهلنا في الجنوب والبقاع وبيروت والضاحية وكل المناطق، أرفع رأسي بالتضامن الذي عبرتم عنه خلال الحرب، عندما فتحتم بيوتكم للمنكوبين واستقبلتم النازحين وقلتم بالفعل وليس بالكلام: “لبنان واحد واللبنانيون جسم واحد”.
وكما كانت مسؤوليتنا جميعا أن نواجه العدوان، مسؤوليتنا جميعا أن نرمم الجسم اللبناني الواحد ونعيد إعمار المناطق المدمرة، لتعود الزراعة والصناعة والسياحة والمؤسسات قادرة على توفر العمل والحياة الكريمة لأهلنا اللبنانيين.
هذه مسؤولية الجميع، تماما كما هي مسؤولية الجميع حل الأزمة الاقتصادية، وإعادة التنمية في كل المناطق، من عكار إلى طرابلس وصيدا وحتى آخر قرية في الجنوب، ومن بيروت إلى الجبل والبقاع، وصولا حتى آخر جرود عرسال.
واليوم لدينا فرصة. لبنان لديه فرصة ذهبية: بات لدينا رئيس جمهورية، وحكومة جديدة، وأمل جديد عبّر عنه خطاب القسم لفخامة الرئيس جوزيف عون، وبيان دولة الرئيس نواف سلام. هذا أملنا أن يتحقق.
أمامنا فرصة وقرارنا أن ندعم ههذه الفرصة، ونرفض ثم نرفض أي محاولة للالتفاف عليها. ولأهلنا في الجنوب والبقاع والضاحية أقول: أنتم شركاء في هذه الفرصة ومن دونكم لا يمكن أن تتحقق. لكن يجب أن تكسروا أي انطباع من السابق بأنكم قوة تعطيل واستقواء وسلاح. أنتم شركاء في فتح جسور العلاقة مع الأخوة العرب وشركاء في إعادة الإعمار، والأهم: أنتم شركاء بقوة في إعادة الاعتبار للدولة، التي وحدها بجيشها وقواها الأمنية ومؤسساتها، تحمي اللبنانيين، كل اللبنانيين.
في الأصل، ماذا كان مشروع رفيق الحريري، ما هو مشروعنا، غير دستور الطائف وبناء الدولة وإعادة الإعمار وتطوير المؤسسات وإطلاق الطاقات والتحرير والحفاظ على سيادة الدولة غير المنقوصة على كامل أراضيها؟ ونحن بماذا كنا نطالب غير بدولة طبيعية؟ هل تعرفون ماذا يعني ذلك؟ يعني دولة، السلاح فيها احتكار للجيش الوطني، والقوى الأمنية الشرعية، والاقتصاد فيها حر ومنتج ويوفر العمل والحياة الكريمة لكل اللبنانيين، والقضاء فيها مستقل ويطبق القوانين، ويحمي الحريات الخاصة والعامة، وينصف الجميع، وعلى رأسهم، الشهداء والجرحى والمنكوبين في انفجار المرفأ، وضحية الانفجار، حبيبة رفيق الحريري، عاصمتكم بيروت.
نحن داعمون للعهد وللحكومة ولكل مجهود لنبني دولة طبيعية وعلاقات طبيعية مع عائلتنا العربية والمجتمع الدولي ولنستعيد دور لبنان في المنطقة والعالم. نحن مع الدولة وجيشنا الوطني، ومع كل مجهود يقومون به لفرض تطبيق وقف اطلاق النار والقرار 1701 كاملا، أي خروج الاحتلال الإسرائيلي من كل القرى التي لا يزال موجودا فيها.
نعم يا أحبائي،
بعد عشرين سنة، مشروع رفيق الحريري مستمر، من خلالكم مستمر، بصيغة جديدة، مستمر، ومن حاولوا قتل مشروعه، أنظروا أين أصبحوا. “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.” صدق الله العظيم… صدق الله العظيم… صدق الله العظيم!!!
نعم، بعد عشرين سنة، رفيق الحريري حاضر، وجمهور رفيق الحريري حاضر، في هذه الساحة وفي كل ساحاتنا.
جمهور رفيق الحريري ليس فقط تيار المستقبل، الذي كان وسيبقى تيار الاعتدال، تيار إعادة الإعمار، تيار الدولة، تيار المؤسسات، تيار الحريات، تيار العروبة والحداثة والانفتاح والعيش الواحد بين كل اللبنانيين.
جمهور رفيق الحريري هو كل لبناني يرى اليوم ما هو المطلوب لحماية لبنان وحماية الفرصة والأمل لنعود دولة قوية في بلد طبيعي.
اسمعوني جيدا، هذا التيار، تيار المستقبل، وهذا الجمهور، جمهور رفيق الحريري، باق هنا، وباق معكم، وسيكون صوتكم في كل الاستحقاقات الوطنية، وكل المحطات المقبلة.
كيف؟ سبق وقلت لكم: “كل شي بوقتو حلو”…
اليوم وقت لنفهم التغييرات الكبيرة التي حصلت عندنا وفي المنطقة، لنعلن تضامننا مع شعب فلسطين الجبار وقضيته العادلة وحقوقه، وتمسكنا بحل الدولتين، الذي تبناه كل العرب هنا في بيروت وأيضا تبناه المجتمع الدولي. المشكلة مع نتنياهو هي الهروب من المسؤولية، الهروب من السلام إلى الحرب، مشكلة احتلال وقتل وتشريد شعب، ولا يمكن أن تحل لا على حساب مصر ولا على حساب الأردن ولا من حساب المملكة العربية السعودية.
اليوم وقت شهيدنا الكبير، وقت الذكرى العشرين للرئيس الشهيد رفيق الحريري وكل رفاقه الشهداء، وقت لأقول لكم أنه كما على مدى 20 عاما كنتم إلى جانبي ووقفتم إلى جانبي ولم تتركونني، انا بدوري باق إلى جانبكم وأقف معكم ولن أترككم. باق إلى جانبكم وسأكمل معكم لنكمل سوية بوصية رفيق الحريري، ومسيرة الاعتدال، والعيش المشترك، ولبنان اولا! ثم أولا ثم أولا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.